إلى الجحيم يـــــــــاأمي ...

جلست على أرض الزمن الفاني ...ونظرت إلى أشجار الزمن القاسي ... فحاولت أن استظل بإحداهن وأقطف من ثمارها الفاسدة .. ولكن غلبتني الحيرة بأي الأشجار استظل ...أبشجرة الحنظل !!!أم بشجرة الزقوم !!!أم تلك الشجرات الأخر ؟؟
فما أكثر الأشجار والثمار القاسية في ذلك الزمن .
فجال في خاطري أن استظل بأكثر الأشجار قسوة ...شجرة أوراقها ذابلة تحركها الرياح كيفما شاءت ..شجرة أغصانها متدلية تكاد أن تنكسر ... وساقها معوجه من كثرة ثمارها الفاسدة .. وهي شجرة عقوق الوالدين
أوراقها الأباء والأمهات وأغصانها القلوب المنكسرة .. وثمارها الأبناء العاقين قد استندوا على ساق الدنيا الفانية .. فما أكثر العاقيـــــــــــــــــن !!!وأشدهم ما ابعد جنته عن دنياه
فأتساءل !!
هل أنجبت الأم أجيال حتى يرموها يوم بين جدران الغرف القاسية ويبعدون عنها بعيدا مع ملذات الدنيا ..؟؟؟؟
وهل ضاعت أحلام الأباء مع أدراج الرياح بين ساحات الغرف ونوافذها ؟؟
فما أقسى الأبناء وما أرحم الأباء وأعطف الأمهات !!
فنظرت بانكسار إلى تلك الأمهات ...ذوات القلوب المنكسرة ..تلك تسرح بفكرها بعيدا وكأنها في دنيا غير دنيانا ...وتلك تندب حظها ..وتلك تنتظر لحظات اللقاء مع الموت ...وتلك تقول ليتنى لم اكن أم
وتلك تصرخ بقلب دامي أين أنت يابني العزيز وكأنها تنتظر يوما تحضى بلقياه ..
وتلك تذرف الدموع ليس لنفسها وإنما تتمنى أن تسمع مايسرها عن أبنها الغائب العاق .
هنا أستوقف قلمي ..فأذرف منه حبر الأهات ..وخط به قوله تعالى (( ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما ))
فها قد تعدت تلك الشجره كلمة (أف )بأعظم منها ..فما أقساها من قلوب ..وويل لهم من يوم موعــــــــــــــود ..
فاه ...اه ...اه
أثقلتني تلك الورقات المتدلية بين الثمار القاسية ..فما أنا أقرأ بعض عناوينها وصفحاتها الممزقة .
فسرحت بفكري إلى أم قد أضاعت من عمرها ثلاثين عاما لتبني لها سندا في هذا الزمن ..وتدخره لها في تلك الأيام الصعاب ..وأذا بالعمري يذهب سدى ..بعد أن صار عمرها خمسة وخمسين عام ..أصبحت الام جدة كما كانت تتمنى وتحلم ..ولكن وجودها قد صار ثقيل على الزوجة والأبن العاق .. فوجودها بينهم لاداعي له لان البيت صغير والأبناء كثيرون (بنت و3 اولاد )فلا يسعها غير دار المسنين .فجاء الولد مخاطب والدته : ياأمي الا ترين بأن البيت صغير ولا يكفي ..فكيف لأبنائي أن ينامون في غرفة واحده ؟وكيف لزوجتي أن تحقق مشروعها وهو فتح كوافير متطور وعالمي مشهور وأنا ليس لدي مكان اخر غير غرفتك !
الــــــــــوالدة / وهل تريد غرفتي يابني ؟ خذها وسأنتقل مع الأبناء في غرفتهم .
الــــــــــولد/ لالالالاياأمي غرفة الأبناء لاتكفيهم فكيف تنامين معهم ؟ لايمكن ذلك
الــــــــــوالده/ إلى أين اذهب يابني ؟
الـــــــــولد/ الى دار المسنين ياأمي هناك المكان يسعك ويسع حاجياتك .
الـــــــــــــوالدة / تتكلم بقلب مجروح ..والزوجة تتفرج ..والأبناء ببرائه يقولون دع جدتنا معنا ياوالدي .
الـــــــــــوالدة/ أرجوك يابني دعني أعيش بينكم وخذ ماتريد ..لاأريد غرفتي ولاالنوم مع الأطفال سأنام في الصالة .
الـــــــــــــولد/ امممممممممم..تتحدث الزوجة : لالا يازوجي العزيز لايمكن فإن ذلك سيكلفنا مبلغ وقدره .. إذ أنها ستحتاج إلى مكيف في الليل ونحن في النهار بحاجة إليه ..
الـــــــــــولد/ صحيح ياولدتي أعتذر منك . لابد لك أن تغادري المنزل .
الــــــــــــوالدة / دعني ..وسأنام دون الحاجة إلى المكيف.
الـــــــــــــــولد/ لابأس ياأمي لامانع لدي .
الــــــــــــزوجة/ كيف ذلك ؟لايمكن ذلك ..كيف أستقبل ضيوفي وأين ؟؟ وأين ستضع أمك حاجياتها ؟؟فأنا لاأقبل وجودها بيننا .
الــــــــــــــــــولد / وألى اين ستذهب أمي يازوجتي ؟
الـــــــــــزوجة / الى الجحيم ...فلا دخل لي في ذلك ..الأمر أمرك وأنت تتصرف وإلا سأرحل الى بيت أهلي دون عوده .
الـــــــــــولد/ لامستحيل إلا رحيلك ..ترحل أمي ولا ترحلين ..
الــــــــــــولد/ عذرا أمي لايمكنني ان أحتفظ بك هنا !!
الــــــــــــوالدة/ بعد ان خنقتها العبرات قالت : كيف تفعل بي ذلك أأهون عليك ...
الــــــــــــولد/ اف لاداعي لهذا الكلام وحمدي الله انني قلت لك إلى اين مصيرك ...
ولم أرمك بين الطرقات .
فرحلت الأم بقلب ملئه الألام والحسرات على ماضاع من عمرها في أبنا قد باعها ..
مرت الأيام والسنين . والأبن العاق لم يسأل حتى مجرد سؤال عن أمه ..فقد انشغل بالسعادة المزيفة.
وفي ذات يوم ذهب الأبن مع أسرته في رحلة برية ..وهنا تكمن المفاجأة ..لحظات وإذا بعاصفة رملية .. فقدت الأسرة توازنها ..حتى صار لايرى أحدهم الأخر ..وبقوا على تلك الحالة حتى هدأت العاصفة ..لتكشف لهم عن مصير العاق ..
فقد إبنته ولم يجدها حتى الأن ...ومات أولاده الثلاثة ..وزوجته اصابها الجنون على فقد أبنائها ..
فعادى إلى بيته يحمل الحسرات الأخرى تلوى الأخرى ..
حينها عرف معنى فقد الأبناء وعقوبة عقوق الوالدين ..فتذكر أمه المسكينة بعد أن تركها خمسة أعوام ...فذهب ليعيدها ويرعاها ..وإذا بالأم قد رحلت إلى دار البقاء .
فأسألك أيها العاق ....
مامصيرك أنت ؟ أمثل ذلك أم أدهى وأمر ..؟؟
فهل أيها العاق أثقلتك أمك بأوامرها ..أم أن صوتها العالي أزعجك ... أم كلامها المتواصل أفقدك صوابك ..أم عجزها الذي لم تتحمله ..أم ماذا وماذا ..
فهل كل ذلك يستدعي هجرانها ؟؟؟؟
أن قلت نعم ..فلما لم تثقلك أوامر زوجتك وطلباتها !!فما الفرق ياترى ؟
وأن كان لصوتها العالي ..فكم من العمر أنت صرخت وأزعجتها وكانت تضمك إلى صدرها ..هكذا تجازيها ؟ وأن كان كلامها المتواصل أفقدك صوابك فلما لم تفقد صوابك مع أبنائك وتتخلى عنهم ؟ فما الفرق ياترى؟
وإن كان لعجزها الذي لم تتحمله ...فويل لك من يـــــــــــــــوم لن تتحمله
فيابني هل ضاقت الدنيا بك ذرعا ولا يسعك إلا بفعل مافعلت ؟؟